Posted by: hamede | December 8, 2008

غزة: بعد العيد نلتقي

اليوم، أول أيام …. الأضحى المبارك، باتت الكلمة لا تقوى على الخروج، أو بتنا لا نقوى على التلَفظ بها. أي عيد هذا الذي فقد معناه ومضمونه كلمةً وحدثا.
أي عيد ذلك الذي نُمارسه وقد عرفناه منذ أن كُنّا صغارا، فرحة وطفولة منطلقة، وطقوساً فريدة تبدأ بكعك العيد، ولحمة أول أيامه، ولا تنتهي بحلوه وألعابه ولقاء من نحب.
اليوم ولكي نشرع في ممارسة العيد فرحاً وانطلاقاً، علينا أن ننسى غزة؛ أن نلغيها من ذاكرتنا بل من الوجود، لأربعة أيام فقط، فلعل ضمائرنا “المتمسحة” تسمح لنا بالفرح، أو على الأقل لتسمح لكعك العيد أن يجد طريقه إلى جوفنا.
ما تزال غزة بأهلها وناسها ومعاناتها تقاوم الحصار منذ زمن بأنفة وشموخ، لكن حصار العيد أوقعُ أثراً وأنكى، فهو حصارٌ على الفرح والبراءة التي لا تعرف الفرق بين حماس وسماح؛ حصار من الرعب الذي يملأ القلوب من أن ضربة عسكرية يُمكن أن تكمل “الطابق” خلال العيد، أو ما يسمى عند الآخرين “عيداً”.
هذا العيد الذي يرتبط عندنا، وعند غيرنا من خلق الله، بموروثات شعبية وطقوس أهل غزة، نأسف هذه المرة، فلا كعك عيد، ولا استقبال لحجاجٍ وزينة لقدومهم، ولا ملابس جديدة، نأسف فالخطوط مقطوعة والشبكة “وقعت”، وأنتم بالفعل اليوم وحتى إشعار آخر، خارج منطقة التغطية.
أما نحن فكعادتنا كل عيد، صحونا متأخرين، وأصبح أداء الواجب تجاه أشقاء بمصيبتهم، في خبر “خيرها بغيرها”.
حتى أولئك الذين قرروا أن يضحّوا من أجل غزة مع بزوغ شمس الاضحى، وجدوا أن المنافذ والمعابر وبصائص الأمل كلها مغلقة أمام الغزيين المعيَّدين برحمة الله، وصبرٍ ألفوه جيدا وعرفوا كيف يطوعوه حتى أيام العيد.
الغريب، أن لا منظمة مؤتمر اسلامي، ولا تجمع إنساني لحقوق “أي شيء”، قد تحركت أو مارست “أي دور” للضغط على “أي أحد” بهذا الشأن، بل زاد “الطين بلة” هذه الخواطر التي انكسرت، والأحلام التي ضاعت، وربما بالنسبة للبعض لن تعود عند حجاج غزة الذين حرمهم التعنت، وعناد السياسة الطائشة من أن يتمموا دينهم بمناسك الحج الذين حُرموا منه.
والغريب أيضا أن هؤلاء الصامدين من أبناء غزة وحجاجها الذين لم يحجوا، وأطفالها الذين لم يفرحوا العيد ما يزالون كلهم “رهائن” هذا العناد، فقد صار لزاما على الحوار الفلسطيني الداخلي أن يتم، وأن ينجح في ظل هذا الانحدار الانساني الذي يزيد من معاناة غزة اليوم؛ فركوب الرأس ليس “شطارة” لا بالنسبة للحج، ولا بالنسبة للحوار.
وعودة لنا نحن المواطنين المسلمين والعرب غير الغزيين، فإن ما يحصل اليوم يذكرني بثمانينيات صبرا وشاتيلا، حين حرَّمنا على أنفسنا وأولادنا آنذاك كل مظاهر السعادة: لم نبتسم، لم نلبس، لم نخرج، لم نأكل ثلاثة ايام كاملة، حزنا حقيقيا وألما طبيعيا شعرنا بهما “أيام ما كان عندي شعور!!”.
وهذه حقيقة، فالتغير الذي طال كل شاردة وواردة في حياتنا منذ ثورة الاتصالات حتى اليوم، لم تنج منه أحاسيسنا التي تبلدت بفعل جنون اليأس، وتلبدت بفعل غشاوة البؤس!
صار التفاتنا نحو تحقيق “أحلام” أولادنا التي تعرَّفوا عليها بفضل ثورة الإعلانات الملونة، وبرامج تلفزيون الواقع..، صار اهتمامنا مرَكزا على آليات قتل فراغ العطل الطويلة في السياحة الداخلية والخارجية.
وهنا أراني أتساءل بكم نحن أصبحنا محاصرين! بالفكر الاستهلاكي، وبالجهل الحقوقي، والقلق المعيشي محاصرين، والتعتيم الإعلامي..، وبموت المشاعر الجماعي نحن محاصرين. فكيف لنا ونحن داخل كل هذه الدوائر أن نجد معبرا نُدخل عبره أنبوبة غاز مسيل لدموع.. الفرح!
ما أحوجنا نحن للفرح الذي كنا نستطعم لونه ورائحته أيام الكرامة ووحدة المصير، أيام سلامي لكم يا أهل الارض المحتلة.
أما أهل غزة فصبركم كما قيل صبران؛ صبر على ما تكره، وصبر على ما تحب، ولقاؤنا معكم بعد العيد، تعرفون مشاغل العيد، تتذكرون ماذا يعني أن تأخذ حماما منعشا وتصلي جماعة، ثم تبدأ بتفريق لحم أضحيتك وتسمع الدعوات بأن يفرجها الله عليك، أن تلملم أخوتك لتلف على الولايا والعنايا، أن تتبجح بـ”الليرات” يتلقفها صغار العائلة لهوس الشراء. وطبعا لا تنسوا أن الأولاد المرتدين لكامل زيهم الجديد سيسحبون أباهم الطيب لشراء ألعاب ومفرقعات العيد، ناهيكم طبعا عن المدام التي قررت منذ البارحة أنها ملّت الطهي وأن الغداء اليوم.. “برة”.
ولم تنسوا طبعا طعم الشوكولاته والملبّس التي ملأت جرار الزجاج الباهية. آه نسيت طبعا. تعرفون لأننا مرتاحون ضميريا، فلا مانع من أن نقضي ليلة حافلة في أحضان نجوم الغناء “العربي” ننفِّس فيها عن غضبنا وآلامنا التي ملأت قلوبنا بسبب نشرة الاخبار التي اكتظت اليوم بأخباركم!
دعونا نعيّد دون ان تنغصوا علينا عيدنا بقلة كهربائكم وزيادة كبريائكم، فبعد العيد لنا معكم كلام آخر.. سامحونا!

هاني البدري

Leave a comment

Categories